بعيون تسويقية .. كيف كانت إعلانات اليوم الوطني؟

أصبح منتصف شهر سبتمبر في السنوات الأخيرة موعداً هاماً ومتعارفاً عليه بشكلٍ واضحٍ في الأوساط التسويقية والإعلانية؛ ورغم أن هذا الوقت من السنة لا يشهد أي مناسبات دينية أو حتى إقليمية وعالمية كبيرة، إلاّ أن اليوم الثالث والعشرين منه يتطلع له أفراد المجتمع السعودي، بكل تأكيد حديثنا سيكون عن اليوم الوطني ولكن بعيون تسويقية، يمكننا أن نمر على ركائز واضحة في مشاهد التسويق في اليوم الوطني.  

الهوية الموحدة:

إن الإنسان القديم لم يعاني يوماً من عدم وضوحٍ أو ضياعٍ يخصّ هويته الثقافية والمحلية، وكان هو بذاته خير من يعبّر عنها في مختلف حياته بكل تنوعاتها؛ ولاسيما في المؤسسة الرسمية والتداولات الخاصة بالملوك والحكام وأعراف ومواثيق الامبراطوريات والدول، من حيث استخدام الطرق السائدة حينها في توحيد الهوية والخطابات، وقد سار الإنسان مع هويته بشكل متعرج ومستقيم بحسب الظروف، يقترب حيناً ويبتعد، وإلى هذه النقطة الزمنية من العصر الحديث لازالت الهوية تلازمه، ويشعر تجاهها بالألفة والتماسّ مع مكنونات شخصيته؛ ليتأثر بها ومعها.
يقودني هذا الحديث إلى الخطوة المميزة والتي خطاها مركز التواصل الحكومي الموحد في المملكة هذه السنة إلى توحيد الهوية البصرية لليوم الوطني وإنشاء حساب تويتر الذي يوثق كافة الجهود التي ظهرت في هذا اليوم، وتأتي هذه الخطوة من أساس تسويقي مهم وهو “بناء الهوية” و “التصور الذهني” وقد ساعدت هذه الخطوة الفاعلة في زيادة التفاعل الإعلاني مع هذا الحدث الكبير؛ وعن خطوة إنشاء حساب تويتر باسم “اليوم الوطني ٨٨” ليحوي كل المشاركات التي خرجت من المؤسسات الرسمية والخاصة فقد أدت هذه الخطوة إلى إشعال التنافس بينها في ترويج منتجاها الدعائية وزيادة القرب بين الصوت الرسمي والمجتمع التسويقي، كذلك ساهمت بشكل أو بآخر في زيادة الربط الذهني الجميل عند أفراد المجتمع ووجّهت الصورة الذهنية نحو مسارٍ واحد.

. النبرة المحلية في الإعلانات:

في الحقيقة لا يكفي أن تكون جيداً في إخراج إعلانك بصرياً، ولا أن تصل لكافة المنصات الإعلامية، بكل تأكيد لا يكفيك ذلك! مالم تكن ملمّاً بثقافة المجتمع الذي تستهدفه وقد تكون مضطراً لحذف إعلانك “كما فعلت بيبسي”. الثقافة المحلية من الأمور الحساسة في شخصية وتكوين الانسان ومن منطلقاته الأساسية في الحكم على إعلانك؛ لذا فإن إنشاء حلقة نقاش ” “Focus group” قبل البدء في كتابة الإعلان سيساعدك جداً في معرفة الحكم المقارب للحكم العام على عملك، وسيعطيك النبرة المحلية التي يجب أن تعمل عليها، سيوفر عليك الكثير من المشاقّ.

دعني الآن أعرض عليك بعض النماذج التي رأيت تميزها من ناحية عكس الصورة “المحلية” عن المجتمع دون أن يكون هناك جهد واستعراض سينمائي في تلك الأعمال:

  • إعلان البنك الأهلي؛ يعتمد بشكل أساسي على انطباع الناس عن الوطن بكل تنوعاتهم وأماكن وجودهم ـ جغرافياً وثقافياً- مما جعل النبرة المحلية حقيقية بشكل ظاهر وواضح، رغم أن فكرة تصوير انطباع الناس ليست مبتكرة وجرّبت كثيراً، ولكنها مجدية في مثل هذه المشاعر.

  • إعلان شركة تبادل؛ يتميز باعتماده على فكرة واحدة ذات أسلوب مختلف، ولكنها تمثل صورة مشتركة “محلياً” وهي فكرة الشخص المبتكر الجريء المحب للتغير والتجربة الموجود في كل بيت، ومن ثمّ ربط هذه الفكرة المحلية بمستقبل وطن يمد يده لهم.

  • إعلان شاورمر؛ كعادة شاورمر في إعلاناتها حيث تتميز بالنبرة المحلية “الصارخة” وقد نالت قبولاً عند فئات كبيرة من المهتمين والمتابعين، والأهم أنها ارتبطت بإعلان اليوم الوطني بالذاكرة المحلية المشتركة، وقد كان الذكاء الكبير في فكرة الإعلان أنها كانت جسراً للمستقبل.

قد يكون عندك أمثلة أكثر جمالاً من التي أوردتها، ولكنك ستكون متفقاً معي على أهمية احترام الثقافة و “التخصصية” عند العمل على استهداف النبرة المحلية.

. المنتج في خدمة الوطن:

. التسويق لا يقوم فقط على كمية المال الذي ستدفعه على نشر علامتك التجارية، ولا على وزيادة عدد متابعيك وأرباحك فقط! – رغم أن هذا قد يؤدي المراد -، إلاّ أن ارتباطه بمبدأ وفكرة أصيلة وكبيرة تلامس إحساس الناس وتُطمئن مستثمريهم على التقدم نحوك، لهو أكبر الأرباح لك بعد حملاتك التسويقية، لذا دعني أصحبك في هذه الجولة مع الإعلانات التي قامت على تسويق منتجاتها – أياً كانت- بطريقة ترتبط بنمو الوطن وازدهار المجتمع، هذه الجهات قد جعلت من منتجها مادة أساسية وركيزة عملاقة للدعاية وللمشاركة في احتفاليات اليوم الوطني.

  • الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، تشكيل أكبر علم في العالم بطائرات الدرونز حيث اشتملت الاحتفالية على فعالية مباشرة – يشارك الجمهور في إحيائها- ومن ثمّ تحقيق الرقم القياس للعلم، وقد تم ترويج الحدث “بصورة ” وهنا نتطرق إلى أن “التنويع في النشر” يخدم الحملة التسويقية، وقد تكون الصورة مؤثرة أكثر من الفيديو، وخصوصاً أن إعلانات الفيديو قد أصبحت “مستهلكة” بعض الشيء وتتطلب الكثير لتبرز.

  • الهيئة العامة للموانئموانئ، على ذكر الصورة فقد قدمت “موانئ” صورة مختلفة أيضاً للاحتفال باليوم الوطني من خلال صورة بها “قبطان أو كابتن” السفينة؛ كما قدمت أيضاً فيديو به ترويج لفكرة استخدام المنتجات الخاصة بالجهة “كمادة”  أساسية تقوم عليها فكرة العمل.

  • شركة المراعي، قد تكون ” المراعي” هذه السنة أول من بدأ حملة الإعلان عن اليوم الوطني وهذا دليل على التخطيط الاستراتيجي المحكم، وفعلاً برأيي قد وفقت المراعي لاستخدام علامتها التجارية بصورة مفيدة ومحفزّة لارتباطها بقيمة إنتاجية كبيرة.

  • الهيئة العامة للرياضة، يتميز إعلان الهيئة “كل عام والوطن وشعبه بصحة ونشاط” بأنه يجمع أكثر من فكرة ورسالة كبيرة، ويهمني هنا الاستخدام الحقيقي للدور المنوط بالهيئة بطريقة إبداعية.

  • شركة مانجا لإنتاج الرسوم المتحركة، قدمت عملاً احتفالياً على الطريقة التي نتحدث عنها، المنتج الخاص والمادة المحلية الخاصة بالشركة، حيث احتوى الفلم من بدايته إلى نهايته على تقنية الرسم المتحرك “مانجا”، هنا تتجلّى فكرة التسويق الذكي.

  • الشركة السعودية للصناعات العسكرية، هي الأخرى تقدم العمل الخاص بها من مبدأ المنتج يخدم الوطن.

أخيراً إن الجمهور أصبح أكثر ذكاءً من ذي قبل، بحكم النضج الإلكتروني الذي طور ملكته النقدية، وانتشار الوعي الخاص بالتسويق، حتى تلك الأعمال الرديئة كانت سبباً في دلالته على مكامن السوء، وهذا جيدٌ لتزيد المنافسة مع الجودة، ليقتنع مالكي العلامات سواءً كانت تجارية أم حكومية في مكاتبهم المغلقة بأن الجودة في الطرح وذكاء الفكرة واقترابها من الجمهور هو الأساس