أثر الإعلانات على سلوكنا

حين تفرش أسنانك، هل تتبع تعليمات الطبيب، أم تتجه يدك تلقائيًا لسكب معجون الأسنان بطول الفرشاة، وتحركها بطريقة تلقائية كما اعتدت أن ترى الوجوه الإعلانية على التلفاز وهي تستخدم الفرشاة والمعجون؟

تقوم الإعلانات على فكرة التسويق للمنتجات التي نستخدمها كل يوم، وتبث هذه الإعلانات في مختلف القنوات وبعدة أشكال ويمر علينا مئات وآلاف المرات منها في اليوم الواحد

من خلال هذه الإعلانات نتعرف على المنتجات من حولنا، كيف نستخدمها، وكيف نشعر حيالها، ويضع المنتجون والمعلنون قواعد استخدامها سواءً بقصد أو بدون قصد، هم يشكلون وعينا اتجاه المنتجات واتجاه أنفسنا واتجاه الآخرين في بعض الأحيان، فتصور لنا كيف نقضي الوقت مع أصدقائنا وكيف نرضي أزواجنا، وفي أي اتجاه نقوم بتمشيط شعورنا، وكمية المعجون التي نستخدمها بغض النظر عن توجيه الأطباء لنا بعدم استخدام هذه الكمية منه!

وعلى الرغم من أن الإعلام بشكل عام والإعلانات بشكل خاص يمتد تأثيرها على الثقافة والقيم وتخلق بنفسها قيماً ومعايير جديدة ولكنها قبل أن تفلح في ذلك كله هي تصنع وعياً خاصاً بها، ولكن ما هو هذا الوعي، وكيف يختلف عن الثقافة والقيم وغيرها؟

نعبر عاميًا عن بداية وعينا بهذا العالم وسلسلة ذكرياتنا التي نمتلكها بقولنا ”من عرفت نفسي“ أي من اللحظة التي بدأت أستوعب أن هذا الكيان الذي هو أنا له هوية، وذاتًا مختلفة عما حوله، وهذا ينطبق على الوعي في كل مراحل الحياة، فهو يتطور في كل مرة نتعرف فيها على شيء جديد، ونميز بينه وبين ما حوله من الموجودات يبدأ من عمر مبكرة، يترسخ بمجموعة من التجارب، ويتعمق في كل مرحلة ويختلف من جيل إلى جيل باختلاف المدخلات التي يتلقاها والأفكار السائدة والأحداث المُختلفة والأهم من ذلك الرسائل التي تبث في الدعاية الإعلامية تجارية كانت أم سياسية.

على سبيل المثال، الأجيال التي عاصرت حروباً صعبة، تجد أن لديها وعياً مختلفاً بمكانها في العالم وواحدة من أهم المؤثرات في هذه المراحل هي الدعاية السياسية التي تغذي هذه المشاعر والأفكار وتقودها طوال الطريق، وبعد مضي السنوات تختلف الأجيال، ويختلف وعيها وتختلف الدعاية التي تتعرض لها أو تتغير طبيعتها وأهميتها فيولد جيل لا يحمل ذات المشاعر، ولا يستشعر ذلك الوعي بهذا العمق السابق.

هذه الدعايات لا تقتصر على مواد مرئية متلفزة أو منشورات معلقة، أو لوحات تملأ جنبات الطرق على سبيل المثال بل تمتد إلى أذهان الناس وتغير من مصطلحاتهم، وتؤثر على كل ما يقال على المنابر أو ينشر في الصحف؛ وقوة هذا الإعلان تتناسب طردياً مع تأثيره.

وكما أن البيئة من جبال وأنهار وصحاري ألهمت الإنسان الأول بلغات مختلفة، وجعلت وعيه اتجاه وجوده والحياة مختلفاً بين الشرق والغرب واستمد مما حوله في بدايات وعيه هذه المبادئ

فاختلاف الإعلان من جيل إلى جيل يصنع لغات وعي مختلفة، وتصورات مغايرة، فالشاشة الآن حلت محل الجبل والسهل والسماء، وصارت هي بوابة التعرف على الحياة وبناء المفاهيم، وهي المغذي الأول للمفاهيم في عقولنا الواعية والأهم من ذلك عقولنا اللاواعية والتي تكون ردة فعلها اتجاهه بعدة طرق:

(١)

المحاكاة

في المثال الأول، مثال الفرشاة والمعجون جعلك الإعلان تحاكيه وهذا يعني أن الدعاية تجعلك ترغب في محاكاتها، ويحدد صناع الإعلانات بقصد وبدون قصد نماذج جديدة لاستخدام منتجاتهم وطريقة فتح علبهم، وشكل الكؤوس التي تشرب بها منتجاتهم.

(٢)

التطبيع

الدعايات الأمريكية على سبيل المثال في القرن الماضي خلقت وعياً مختلفاً بالمرأة عن ذاتها ومكانها في المجتمع مختلفاً إلى حد ما عن الإعلانات الآن التي تعمد إلى مراعاة الاعتبارات النسوية، ومعايير المساواة والابتعاد عن التمييز على أساس الجنس في إعلانات التنظيف، والطعام، والمهام المنزلية بشكل عام مما دعا ببعض الفنانين إلى صناعة أعمال فنية ساخرة عن إعلانات تلك الحقبة.

https://www.yahoo.com/lifestyle/artist-reversed-gender-roles-50s-ads-give-men-taste-sexist-poison-234228722.html

(٣)

الارتباط الشرطي

في أحيانٍ أخرى قد تشاهد بعض الإعلانات التوعوية، أو الفيديوهات التعريفية بالمراكز والخدمات، والتي تستخدم أيقونات مُختصرة قد تستخدم أيقونة القلب للتعبير عن ارتباط الحب بالزواج مثل هذا الفيديو التعريفي بخدمة حقها في الثانية الثامنة عشر.

وبهذا تربط الحب شرطياً بالزواج وترسم في ذهننا وبصور بصرية ارتباطات مختلفة في الحياة من حولنا.

يقول هايوود برون

اعتبر أن الحياة تعتمد على الأخبار التي تكتبها، لأنها كذلك!
 

وهذه المقالة تقول اعتبر أن الوعي يعتمد على الإعلانات التي تبثها، لأنها كذلك!