التجديد والتغيير والإبداع عملية شائكة جدًا في كل الفنون إلا أن هدفها الأول والأخير هو أن تجمع الخبرات الإنسانية وتطورها لتصل إلى أعمال رائعة تصنع الذائقة العامة، وتحتفي بصانعيها والأهم من ذلك تحافظ على حقوقهم.
من أكثر القيم أهمية في عالم اليوم هو الابتكار والإبداع، وفي عالم التسويق تُعدّ هذه القيم جوهرية كون عالم الإعلانات بشكل خاص يعتمد على عنصر الدهشة وجذب الانتباه بأفكار جديدة، ومفاهيم غير مألوفة لجذب انتباه المستهلك وجعله يقرر شراء سلعةٍ ما، أو تجيب على أسئلة علامةٍ ما.
وغالباً مايبدأ التخطيط لإعلان جديد أو حملة تسويقية بـ ماهي الفكرة؟ وتقام جلسات للعصف الذهني التي تحاول أن توفّق بين توجهات العلامة وهويتها، وبين الأفكار التسويقية المعاصرة، وابتكار شيء جديد ومدهش تماماً ليحقق الهدف المرجو من الإعلان أو من الحملة التسويقية.
ومايحصل في هذه الجلسات أنه بوعي وبدون وعي تقوم كل الأفكار على إلهامٍ من إعلانات سابقة، ومن مسوقين ملهمين، ومن مفاهيم سابقة أُعجب بها الناس وحققت نجاحاً كبيراً في وقتها
أي أن عملية صناعة فكرة جديدة هنا تقوم على أفكار سابقة وتستمد إلهامها من أعمال موجودة بالفعل.
لا توجد فكرة جديدة، ويبدو أن العالم مع دخوله في حقبة الإبداع والابتكار يحاول أن يميت كل فكرة قديمة، ويطلب أفكاراً جديدة على الدوام، ومع تسارع الاستهلاك تتسارع وتيرة الإنتاج، والمفترض بالمسوق أن لا تنضب أفكاره إذا كان يريد الاستمرار
ولكن مرة أخرى يطالعنا الخبر الحزين ألا وهو : لا يوجد أفكار جديدة!
كل الأفكار والمفاهيم الإبداعية في الكتابة، والإخراج، والتصوير، والتسويق تمتلك أنماطاً متشابهة، وأفكاراً تكاد تكون متطابقة، والفنانون أنفسهم يقومون بإعادة صياغة الأفكار المشاعة ويبتكرون أفكاراً جديدة منها، ولا يوجد فكرة أصيلة لم تتأثر بسابقها، وحين تفهم هذه النقطة تستطيع أن تغير نمطك في التفكير والعصف الذهني إلى الابتكار في الأفكار الموجودة بدلًا للحصول على أفكار جديدة
ماهو الابتكار؟
أبسط تعريف للابتكار هو أن هناك فكرتين، أو منتجين قديمين، يأتي المبتكر ويدمج بينهما أو يقترح طريقة جديدة لاستخدامهما، وبذلك تنتج لنا فكرة جديدة!
خذ مثلًا الشوكلاته، والزعتر كلا المكونان موجودان ويستهلكها الناس على مدى عقود طويلة، وقبل عدة سنوات ابتكر أحد فنانيّ الشوكلاته نوعاً جديدًا مطعّماً بالزعتر وحاز هذا الابتكار على رضا المستهلكين، وانتشر بسرعة كبيرة، وصار نكهة متوفرة في معظم محلات الشوكلاته التجارية.
الفرق بين الابتكار والتقليد قد يكون ضئيلاً جداً، وقد يكون من الصعب تحديده مالم توجد قوانين تحمي حقوق الملكية الفكرية وتحددها بشكل واضح والتي غالباً ما تتبع إلى منظمة الويبو (المنظمة العالمية للملكية الفكرية ) التي وقعت على معاهداتها معظم دول العالم وهنا إيضاح لحقوق المؤلف على أفكاره الأصيلة.
تعتبر الأفكار متى ما تم إطلاقها ملكاً مشاعاً للاستخدام، مالم ينتهك ذلك حقوق المؤلف بالتقليد الحرفي، كل ماعليك كفنان ومسوق وباحث عن فكرة جديدة أن تُمسك بإحدى هذه الأفكار المشاعة، أن تبحث عن مؤلفيها، أن تحاكيهم، وأن تصنع قطعة فنية جديدة من قطعة موجودة مسبقاً باستخدام بصمتك الخاصة، وبدمجك للأفكار مع بعضها البعض، ومع محاولتك الجادة لإضافة لمسة مختلفة تضيف لك وللمنتج.
كثيراً ما يلهمنا فنانين بعينهم، أو كتّابٍ بأسلوبهم، أو مصوربن بطرقهم الفريدة، وليس خاطئاً أبداً أن نحاول تقليدهم أو الاستفادة من أفكارهم في أعمالنا الخاصة، المهم أن لا نحاول أن نصبح صورة دقيقة لفنان نحبه، وأن نقلده بحذافير العمل، وأن ننفذ الفكرة مرتين، وبدلاً من ذلك يمكننا أن نحاول أن ننظر من خلال أعينهم، وطريقة تفكيرهم، وأنماطهم، وأن نربطها برؤيتنا الخاصة، وندمج معها أفكاراً أخرى خلاقة وسيرحب بنا الجميع في عالم الأفكار والابتكار.